لقد كان للحظات اغتيال الشهيد صدام حسين، وقع مؤلم يتعانق مع الوقع الذي تركه، في نفوسنا، احتلال بغداد. كما أنها قد تعانقت مع اللحظات التي تَبَيَّنَ لنا فيها بأنه قد تم خطف الرئيس الشرعي للعراق.. إذ أن أحداً منا لم يعد قادراً على نسيان تلك اللحظات، مجتمعة وفرادى. لأن كل ما جرى، في مجمله، يعني، من بين ما يعنيه، بأن العراق الذي نعرفه يقع تحت مطرقة الخيانة، ومطرقة التحالفات الرخيصة بين الدول، ومطرقة المصالح الاستعمارية الصهيوأمريكية.
أما النتيجة فهي أن مُزِّق العراق، بل فُتّت هذا البلد الذي، كان يوماً، بوابة الأمة في وجه عتاة الأرض.. ولكي يصل "المتحالفون" إلى هذه النتيجة، التي تجعل كعكة العراق "سهلة!" الهضم، تناسوا خلافاتهم وتضارب مصالحهم. كما أجلوا البحث في التفاصيل إلى "ما بعد إنضاج الكعكة".. فكانت زيارة عبد العزيز الحكيم، كممثل لإيران، إلى واشنطن لإقناع بوش بأن الكعكة العراقية ستبقى عصية على النضج طالما بقي صدام حياً يُرزق.
ونظراً لعجز بوش أمام الحالة العراقية.. ونظراً لأنه لم يَفُق من هول الصدمات التي تكيلها المقاومة العراقية لعسكره. فإنه لم يكن قادراً، إلا أن يسلم الأمر لمن يضمن اشتعال الحرب الأهلية في هذا البلد. فالحرب الأهلية هي الخلاص الوحيد لأمريكا من العراق والعراقيين. إذ أن التحام السنة، والشيعة، والعرب والكرد في خندق واحد موحد سوف يعيد تجربة "ثورة العشرين من القرن الماضي" التي "ركَّعت" بريطانيا العظمى في حينه.
فكان ما كان من التعجل في استكمال حلقات المسرحية المسماة "المحكمة". تلك المحاكمة التي تقول عنها "Human Rights Watch" بأنها مزورة. فأُعدم الرئيس الشرعي للعراق بأيدٍ إيرانية، وبلسان عربي (!)، ووسط تهليلات صفوية وابتهاجات طائفية مريضة. كما جاءت في نفس الليلة التي بدأ فيها بوش بالتشاور مع مستشاريه حول "استراتيجية جديدة" في العراق. كما كان "لمكان التنفيذ" دلالاته، إذ تم في الشعبة الخامسة التي كانت مخصصة لمحاسبة عملاء إيران. وقد تم ذلك في ظل غياب، أو تغييب رئيس "العراق الجديد"، هذا الرئيس الذي اكتشف، بعد حين، بأنه لا يستطيع الاحتفاظ بضيوفه الذين اعتقلهم الأمريكان، رغم أنهم قد جاءوا من إيران بدعوة مباشرة منه.
أما لماذا تمت يوم السبب، بتاريخ 30/12/2006م، فلعل الأسباب "الفنية!!" تكمن في أن ذلك هو فجر عيد الأضحى عند المسلمين؛ وفي ذلك إمعان في الاستخفاف بالمشاعر، ويوم الأحد هو عطلة الأمريكان؛ والإثنين مطلع عام جديد؛ إذ لا يجوز أن يدخل عام آخر على احتلال العراق وقد بقي شىء من شرعيته.
أما فيما يتعلق بموقف الرئيس الشهيد صدام، وبتصرفاته في مواجهة اللحظات الأخيرة من حياته، وبقراءته للمستقبل، فإنني لا أعتقد بأن أحداً يستطيع التعبير عنها بقدر ما عَبَّر عنها صاحب الشأن المباشر (الشهيد نفسه). فالرسالة التي صاغها قبل استشهاده بحوالى الشهرين، وما ورَدَ فيها من مفاهيم، ورؤى، ووصايا تعبر عن الاستراتيجيات التي على العراقيين تبنيها، كانت جلية واضحة، ولا تحتمل التأويل. كما أن الشجاعة التي تحلى بها الشهيد، وإيمانه التام بأن ملاقٍ وجه ربه، ونطقه الواضح بالشهادة؛ التي رددها بصوته الخطابي الذي نعرفه.. وغير ذلك مما لا نجد المجال لذكره.. كل هذا وغيره يضعنا أمام الشهيد صدام حسين، الذي أجاب، وهو على قيد الحياة، على العديد من الأسئلة التي ستظهر بعد استشهاده.
كما تشير التقارير، التي ترشح من هنا وهناك، بأن "الشهيد صدام" قد روى لأحد حراسه ما قاله الشهيد الخالد "عمر المختار" لجلاديه: انتم تخافون مني في حياتي.. ولكنكم سوف ترتعدون رعبا عندما أموت. ثم أكد "الشهيد صدام" لهذا الجندي، الذي لم يعد يفهم ما يدور حوله، قائلاً: "... سوف اخيفكم في قبري اكثر مما اخيفكم في حياتي".
أما بالنسبة للمواقف التي صدرت، من هنا وهناك، فقد كانت بينة، واضحة لا تحتمل التأويل. فبالنسبة لأبناء الأمة، التي هتف الشهيد باسمها وهو يعلو "منصة الشرف"، وأبناء فلسطين، الذين لم يفارقه همهم حتى اللحظة الأخيرة من حياته، فقد اعتملت صدورهم بالحزن، والأسى والغضب. وأما الناطقين بالضاد، من حكام وزعماء، فقد أحرجهم، بل صغّرهم أمام جماهيرهم الغاضبة أن كان الاعدام في "فجر عيد الأضحى"، وتمنوا لو كان في غير هذا الموعد (!!). وأما مواقف الاستعماريين، والصفويين، فقد كانت جلية واضحة، تعبر عن الفرح الشديد لانهيار البوابة الشرقية للأمة، وضمانها سهلة المنال لمن يريد خيرات الأمة، ولمن يريد النيل من استقلالها، وكرامتها وكبريائها.
إلا أن ما صدر عن الأوروبيين، في مجموعهم، فلم يكن سوى كلمات حق يُراد بها باطل، كما أنه استخفاف واضح بإرادة أبناء الأمة العربية والاسلامية. فقد اعتبر الاتحاد الأوروبي بأن "إعدام صدام عمل همجي، وقد يحوله إلى شهيد". وإليهم نقول: نحن أمة تحب الحياة بعزة وكرامة، كما أننا نمتلك الأحاسيس، والمشاعر، والمُثُل، والقِيَم والمفاهيم التي تجعلنا نصيغ نظرتنا إلى قادتنا؛ الأحياء منهم والأموات. ولا أعتقد بأن عربياً أو أعجمياً قد عبر عن وصف صدام (الذي تخشون اعتباره شهيداً)، من وجهة نظر الأحرار من أبناء الأمة العربية والإسلامية، بقدر ما عبر عنها أول قاضٍ للمحكمة "المزورة" "رزكار محمد أمين" في كتاب استقالته، الذي اختتمه قائلاً: " هذه أسباب وهناك اسباب اخرى كثيرة قد استطيع ان اذكر منها اجلالي وتقديري لشخص هذا الرجل وثقتي بنزاهته وتجرده من أطماع يتقاتل عليها الفرقاء". أي أن صدام كان شهيداً مع وقف التنفيذ.
عزيز العصا، العبيدية، 1/1/2007م
بقلم: عزيز العصا / نُشِر في صحيفة القدس بتاريخ 4/1/2007م صفحة 20
إرسال تعليق Blogger Facebook