0

عذراً سيدي.. لقد تلعثمت الكلمات على لساني.. فأنت أنت اليوم فارس الموقف..
عذراً سيدي.. أيها المحمود.. أيها الدرويش.. فأنت إسم على مسمى.. 
لقد عهدناك صادقاً، صدوقاً، محباً، محبوباً.. فأنت الثائر الشاعر.. وأنت الشاعر الثائر.
ففي كل الظروف كان الوطن هاجسك.. والهوية حلمك..
لقد آمنتَ، إيمان العجائز، بفلسطين وطناً وهوية.. كما آمنتَ بها أماً وأباً.. 
أتذكر.. سيدي.. كيف عدتَ طفلاً عندما رفضتَ حضناً غير حضن الوطن.. فمررتَ من بين المغتصبين مع حبات الندى الفلسطينية.. 
أتذكر.. سيدي.. عندما حملك برتقال عكا ويافا وحيفا ليحلق بك رغم أنوف الغزاة.. فبقيت أنت سيد الموقف. 
أتذكر.. سيدي.. عندما جلدوك فالتف السوط على أعناقهم.. لأن إرادتك كانت دائماً هي الأقوى.. وهي الأبهى.. وهي الأجمل.. لأنها إرادة وطن، وإرادة فارس يرفض الهوان والاستسلام.
عذراً سيدي..
ليس صدفةً أن تكون قصص رحيلك الأولى، والثانية، والثالثة، .... ، والعاشرة قصائد يتغنى بها أبناء شعبك.. ففي كل قصة منها كنت أنت البطل.. وكل قصة انتهت بانتصارك.. ليس لأنك أنت البطل فقط.. بل لأنك أنت الذي يكتب ما يؤمن به، وما يؤمن به فقط.. فلم تكن ناسخاً ولا منسوخاً ولا مستنسخاً.. بل أنت الأصل وأصل الأصل.
عذراً سيدي..
      فأنت من لم نعهد عنه ضحكة صفراء.. وأنت من زَهِدَ بالمناصب، والمسميات، والرتب.. فكنت تستقيل منها لأنك ترفض خدمة المنصب على حساب الوطن..
      أنتَ  من حمل الجرح الفلسطيني في فؤاده.. فكان الوطن يسكنك كما أنك تسكن الوطن.. 
      كنتَ البلسم الشافي لشعبك الذي أجلَّكَ سياسياً.. وأحبَّكَ ثائراً.. وعشقك شاعراً.. وفوق كل ذلك تعلق بك لأنه رأى فيك الفلسطيني حتى نخاع النخاع..
 عذراً سيدي..  
لقد فتشتُ عن كلماتٍ أرثيك بها فلم أجد.. حاولتُ أن أطوع اللغة فلم أستطِع.. سألتُ اللغة أن تستر خيبتي فأبت.. فتشت في كل الجهات فلم أجد ما أرثيك به سوى قصائدك أنت..
فأنت من طاول السحاب بشعره.. وأنت من نثر الحنون والزيزفون في صحاري الوطن، فجعلها خضراء نضرة تسر الناظرين.. وأنت من غرس الزيتون في بطن صخرة صماء ليجعلها تلد الزيت والزيتون والزعتر..
عذراً سيدي..  
كل من يستلقي في هذا التابوت يسمى ميت.. إلا أنت، وهو، وهي من أبناء شعبنا وأمتنا.. فأنتم أحياءٌ عند ربكم تُرزقون.. سألنا التابوت عنكم.. فبكى وأجهش بالبكاء، والنحيب والعويل.. استحلفناه بالله أن لا يخفي عنا سراً، فقال:
أنا لا أبكي على محمود درويش، ولا على ياسر عرفات، ولا على صدام حسين، ولا على عبد العزيز الرنتيسي، ولا على أبو علي مصطفى، ولا على فتحي الشقاقي ولا على جمل عبد الناصر.. بل أبكي على من لا يقضي على دربهم.. أبكي على كل من لا يحاصر الحصار، ويقاتل الغزاة.. أبكي على كل من لم يقضِ شهيداً.. شهيداً.. شهيداً. 

العبيدية، 11/8/2008م
بقلم: عزيز العصا/ نُشِر في صحيفة القدس بتاريخ 13/8/2008م صفحة 21 

إرسال تعليق Blogger

 
Top