0

منذ إعلان حكومة الوفاق الوطني مطلع حزيران الماضي، أخذت "إسرائيل" تدور حول نفسها، بلا هادٍ ولا دليل، ومما صدمها، فوق صدمة المصالحة الفلسطينية، هو الموقف الأمريكي (الفوري) القاضي بالعمل مع الحكومة الفلسطينية (التكنوقراطية)، ثم بدأت تعزف على اسطوانتها (المشروخة) بالعودة إلى المفاوضات بشرط أن يلغي الرئيس الفلسطيني عملية المصالحة. 
بعد عشرة أيامٍ فقط، من إعلان الحكومة المذكورة، كانت قصة (المخطوفين) الثلاثة التي صعد الاحتلال على (شجرتها)، فأطلق حملة "عودوا أيها الأخوة!!" التي استباح فيها دماء الفلسطينيين (في الضفة) وحريتهم وحياتهم اليومية، فقتل، واعتقل وداهم المنازل، في الليل وفي النهار، وهدم البيوت والمؤسسات ذات الصلة بالعمل الخيري، وأطلق مستوطنيه ليعيثوا في حياة الفلسطينيين فساداً، كان أكثرها سوءاً ومرارة الشهيد محمد أبو خضير الذي أُحرق حياً في 2/7/2014. 
عندما لم يتوصل الاحتلال إلى نتيجة، بل كانت النتيجة أن هبّ شعبنا في القدس وفي مناطق-48 في وجهه، أخذ يفتش عن وسيلة (للنزول عن الشجرة)، فاتجه نحو غزة؛ لعله من هناك يجتث المصالحة من جذورها، إلى الأبد، كما يستعيد هيبته (المفقودة)، فاتجه لقصف البيوت الآمنة وقتل الأسر، بكاملها؛ من الحفيد إلى الجد مروراً بالأب والأم. 
تدحرجت كرة الأحداث، واشتعلت نيرانها؛ فالتهمت كل الجغرافيا التي (يتباهى) الاحتلال بأنها محمية بقبة (حديدية) لا يجرؤ أحد على اختراقها، إلا أن صواريخ المقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة حماس،  وطائراتها (بدون طيار) أخذت تتبختر في الأجواء وتصل إلى أهدافها بدقة، أذهلت المراقبين. وعندما لم يتمكن من (ظَهْر) المقاومة، زاد من استهداف المدنيين العزل، ووسع نطاق هجماته لتصل إلى كل الأمكنة في غزة..
عندها؛ نَشَدَ الاحتلال وقفاً لإطلاق النار، أعلنته مصر ورفضته المقاومة، برر لنفسه الدخول في حرب برية، وحدد أهدافها التي يراها  رون بن يشاي/ المحلل السياسي والأمني لصحيفة "يديعوت أحرونوت، بأنها: 
أولا: زيادة الضغط على (المقاومة) من أجل الإذعان لوقف إطلاق النار.
ثانيا: تقليص عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه اسرائيل، بفرض أن المقاوِمين سيضطرون للفرار بدلاً من انشغالهم بإطلاق الصواريخ.
ثالثا: البحث والكشف عن الأنفاق، سواء تلك الجاهزة للاستخدام او التي هي في طور التحضير.
وما أن دخل جيش الاحتلال مرحلة الهجوم البري ليلة الخميس-الجمعة (17-18/7/2014)، إلا ووجد نفسه في (سبت) أسود، بل حالك السواد بمقتل (13) جندياً، دفعة واحدة، وسبقهم (خمسة) في الليلة التي سبقتها، ثم أخذت عمليات قتل الجنود تتوالى، لتتوّج بأسر الجندي "شاؤول أرون". 
بهذا؛ يكون الاحتلال قد غاص في (رمال) غزة هذه المرة، وكلما زاد إصراره على تحقيق أهدافه سيغوص أكثر وأكثر. فالمقاومة، جاءها الجنود بأرجلهم، لتقول فيهم كلمتها، ولا أخالني أبالغ إذا قلت "أن الاحتلال فقد من جنوده في هذه البرهة الزمنية البسيطة، أكثر مما فقده في حروبه الإقليمية" قياساً بالمدة الزمنية وحجم مُقاوِميه، لا سيما وأنها تمكنت من ضرب هيبته في نخبة النخبة من جنوده المتمثلة (لواء غولاني). 
حينئذ؛ استمر الاحتلال في تنفيذ هدفه (غير المعلن)، وهو: "قتل المزيد من الأسر"، كمجزرة الشجاعية وغيرها، وقصف المزيد من الأمكنة وتدميرها على رؤوس قاطنيها، لتشمل المستشفيات والمساجد والأبراج السكنية والمدارس والأسواق... الخ. أما أعداد الشهداء، فإنها تتسارع نحو الألف شهيد، إن لم يتوقف هذا العدوان الجنوني. 
الآن؛ وبمتابعة انعكاسات هذا الوضع (القاسي) على الاحتلال، من خلال الكتّاب (العبريين)، نلاحظ أنه يَنشدُ هدنة أو وقفاً للنار، بعد أن بدأ يغير في ثوابته المذكورة أعلاه، منهم:
أولاً: يقول آري شبيط: "يجب أن نعترف بأن حماس تشكل تحدياً حقيقياً لإسرائيل". علماً بأن "شبيط" (غاضب) من حماس التي تهاجم اسرائيل وقطاع غزة ليس فيها مستوطنات ولا حواجز ولا جيش احتلال!! (صحيفة القدس: 18/7/2014، ص17)
ثانياً: يقول جدعون ليفي: بعد أن قلنا كل شئ عن حماس (...) يحسن أن نقف لحظة وأن نصغي إليها أيضاً، وأن نحترم جرأتها وقدرتها على الصمود في ظروفٍ قاسية. ثم يتساءل "ليفي": تطلب حماس والجهاد الحرية لغزة، فهل يوجد مطلب مفهوم أكثر من هذا وأعدل منه؟ (صحيفة القدس: 21/7/2014، ص16)
ثالثاً: في ظل مواصلة جيش الاحتلال تكبد خسائر بشرية، يقول ناحوم برنياع ، بعد أن قام بجولة ميدانية عند حدود غزة: (قرر) نتنياهو تصعيد العملية العسكرية البرية من أجل الانتقام من الفلسطينيين، فنتج عن هذا القرار مجزرة الشجاعية. كما أن "إسرائيل" تتحسب من التورط في غزة، وهي تريد الانسحاب منها في أسرع وقت ممكن". (تقرير مدار: 21/7/2014م) 
أما ما يجري على أرض المعركة، فإن الجنود الجرحى؛ العائدين من الجبهة مع غزة أقروا بأنهم يقاتلون أشباحاً؛ لأن مقاتلي المقاومة مختفين، ويخرجون للقتال عند تقدم الجنود. وأما على الجانب الفلسطيني؛ فإن المنظمات الحقوقية (حتى في اسرائيل نفسها) تؤكد على أن 70% من الشهداء الفلسطينيين هم من المدنيين، ونحن نقول: إن جميع الشهداء هم مدنيون، بامتياز؛ لأننا نتابعهم، أولاً بأول فهم يصلون للمشافي على شكل (أسرٍ) بكاملها، وحتى إذا صادف أن كان هناك ضيف لدى الأسرة فإنه يقضي معها.
أما على المدى البعيد؛ فيرى "برنياع" المذكور أعلاه: أن الاسرائليين سيدركون أن لـ "أضربوهم" ثمة ثمن، وأن الغضب على (المقاومة) سيمتزج بالخوف على حياة الجنود، وهو خوف شخصي في كثير من الأحيان.
النتيجة
  بعيداً عن تأجيج العواطف، وبناءً على قراءات مستفيضة لما يكتبه الكتاب (العبريون)، نجد أنفسنا أننا أمام مرحلة جديدة من الصراع، فالاحتلال غاص في رمال غزة وخنادقها وأنفاقها، ولن يخرج إلا بإعلانٍ لوقف إطلاق النار، وفق شروط المقاومة، بقيادة حركة حماس. بما يحفظ لشعبنا كرامته وعيشه الكريم على أرض الآباء والأجداد. أما بعد ذلك فعلينا أن نحذر من أننا أما مجتمع يقول فيه إيال كلاين/ باحث اسرائيلي: "المجتمع الاسرائيلي تحديداً يعيش في وضع تشكل فيه الحرب وضعاً مدنياً دائماً، وأن السلام يشكل أزمة ذات طاقة كامنة وخطيرة". (عن: مدار/ المشهد الاسرائيلي: 15/7/2014)  
أعتقد أن هذه المقولة تنبؤنا عن المطلوب منا، كشعبٍ فلسطيني، يصارع (المجتمع الاسرائيلي) الموصوف أعلاه، بأننا بحاجة ماسةٍ إلى تضميد الجراح، ورص الصفوف، وتوحيد الجهود، ونبذ كل أسباب الفرقة والتشرذم، والوقوف (بقوة واقتدار) خلف مقاومتنا الباسلة في القادم من الأيام؛ فهم الذين قال فيهم جل وعلا في محكم كتابه العزيز: "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى"  صدق الله العظيم. 

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 22/07/2014م
عزيز العصا/ نُشِرَ في القدس المقدسية، بتاريخ: 28/7/2014م، ص17

إرسال تعليق Blogger

 
Top