0

لكل شعبٍ رموزه التي يعتز بها، أما رمز الرموز لشعبنا فهم جناحا الوطن اللذان يحلقان به عالياً، فأما الجناح الأول فهو شهداؤنا الأبطال الذي ضحوا بأرواحهم وهم يذودون عنه.. وأما الجناح الثاني فهم أسرانا البواسل الذين يعضون عليه بالنواجذ فيحطمون القيد ويسجنون السجان.. وإذا كانت رمزية شهدائنا تكمن في أنهم يشكلون الحافز للاستمرار في مقارعة الاحتلال، فإن رمزية أسرانا البواسل تكمن في أنهم هم من يتمترس في الخندق الأول في معركة الوجود ومعركة الهوية الوطنية..
أما الأسلحة التي يمتلكونها، وهم خلف القضبان، فتتمثل بالإرادة الصلبة في مواجهة السجان وقيوده وسياطه، والإيمان بعدالة قضية شعبهم.. وها هم في هذه الأيام يستخدمون سلاحاً نادراً أربك العدو، وأحرج الصديق، وحفَّزَ الابن والشقيق، إنه سلاح الأمعاء الخاوية المتمثل بـ "رفض الحياة بذلة" لإرغام السجان-المحتل على الرضوخ لمطالبهم العادلة كأسرى حرية وتحرر وطني، منها: وقف سياسة العزل الانفرادي، وإعادة التعليم الجامعي، ووقف سياسة تقييد أيدي وأرجل الأسرى خلال زيارات ذويهم ولقاء المحامين، وتحسين الوضع الصحي للمرضى والمصابين..
وأما أحرار شعبنا وقواه الحية القابضون على جمر الاحتلال، ومن خلفهم الغيارى والنشامى من أحرار الأمة، فقد كانوا عند حسن ظن أبنائهم الأسرى بهم، فلم يغفلوا ولم يناموا عندما هبوا على كل المحاور والجبهات داعمين، ومساندين، ومؤازرين.. فجاءت النتائج تباعاً ليكتمل المشهد مزهواً بألوان الطيف الفلسطيني الواحد الموحد المفعم بالروح الوطنية العالية التي تحرك كل فردٍ من أبناء شعبنا في كل أرجاء الوطن وفي الشتات..
النتيجة الأولى: إن أسرانا الرابضين خلف القضبان عظماء، بكل المعايير.. إنهم قادتنا الذي نستمد منهم القوة والمنعة عندما نضعف.. وهم أساتذتنا في الوحدة واللحمة عندما نختلف وننقسم ونتشرذم.. إنهم النموذج الذي يجب أن يحتذى في التضحية والفداء، فلم يضحِ الواحد منهم عن الوطن فقط، بل أضاف إلى ذلك تضحياته دفاعاً عن زملائه، وقد تجلى الأمر بهذا الاتجاه عندما يفضل كل منهم الآخر على نفسه في تنسم هواء الحرية بين الأهل والأحبة؛ فيتنازل الأشاوس عن حريتهم من أجل أن ينالها آخرون هم رفاقهم في السلاح ورفاقهم في "البرش"، ورفاقهم في الزنازين.. إنهم النموذج الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة" الحشر: 9.
النتيجة الثانية: إننا الآن، وبعد جهد جهيد، بصدد عودة أبطال فلسطين وبطلاتها، كأسرى محررين، وهم شامخون، إلى أحضان أسرهم التي ذاقت الأمّرين بانتظار عودتهم.. أبطال يعودون رغم أنف المحتل الذي" تبدد وهــــــم" قوته المفرطة التي يستخدمها بحق شعبنا في كل المناسبات.. وقد جاءت هذه العودة كنتاج لعملية الوهم المتبدد التي أُسِر فيها الجندي الاحتلالي شاليط منذ خمس سنوات..
النتيجة الثالثة: أنه قد تبدد تماماً وهم "اسرائيل" في إمكانية الاحتفاظ بشبابنا وفتياتنا أسرى لمدى الحياة؛ وأن أحكامها التي تطلقها لم تعد تخيف المناضلين والمجاهدين لتثنيهم عن الدفاع عن حرية شعبهم ليعيشوا بكرامة على أرض الآباء والأجداد.. 
النتيجة الرابعة: أنه قد تبدد وهم "اسرائيل" في أن تصنف أسرانا وفقاً لأهوائها وهواجسها ومعتقداتها المريضة، عندما تطلق مصطلحات مثل "الملطخة أيديهم"؛ فأسرانا كلهم، بلا استثناء، رموز وطنية ننظر لهم بمنتهى التقدير والاحترام وسط هالة تقترب من القدسية، لأنهم غيروا "المنكر" بأيديهم وبألسنتهم وبقلوبهم، ورفضوا أن يغيروه بأضعف الإيمان فقط..
نتيجة النتائج: أن "إسرائيل" نفسها وهم بدده أسرانا بصمودهم، وتفانيهم، ووحدتهم وتلاحمهم، وفهمهم الدقيق لطبيعة الصراع معها وحقيقة أنها كيان يقوم على الخداع والتسويف.. وسيبددها أكثر وأكثر وحدتنا وتماسكنا واحترام كل منا للآخر دون تخوينٍ أو تكفيرٍ أو إخراجٍ من الملة لكل من يختلف معنا.. 
ختاماً، علينا جميعاً، بلا استثناءٍ، أن نلتف حول أسرانا المحررين بأن نزهو بهم كعناوين وطنية تشكل مفاخر للأجيال.. وأن نلتف حول أسرانا الرابضين خلف القضبان، كالسوار حول المعصم، بدعمهم وإسنادهم، على المستويين الوطني والدولي، في قضاياهم المطلبية التي تحفظ لهم حقهم الطبيعي في التواصل مع العالم الخارجي ومع أهلهم وذويهم.. ونحن لا نمن عليهم بذلك فهم قادتنا الحقيقيون وهم عناوين عزنا وفخارنا عبر تاريخنا الطويل في مقارعة الاحتلال.  

عزيز العصا/ نشر في القدس، بتاريخ: 19/10/2011م، ص44
فلسطين، بيت لحم، العبيدية 14/10/2011م

إرسال تعليق Blogger

 
Top