لا شك في أن الأفراد يتمايزون، فيما بينهم، فينبغ من بينهم القادة وهم القلة القليلة من المجتمع. ومن بين هؤلاء ينبغ قائد يتميز بين جيله وأترابه؛ يشكل رمزية ما تجعله محط اهتمام المحيطين به ويحتل، بينهم مكانة لا ينافسه فيها أحد.
أما المعيار، في هذا كله، فهو أن هذا القائد-الرمز يتمتع بقدرات لا تضاهى، وشجاعة منقطعة النظير، وحكمة ودهاء وحذاقة قلما تجدها في مواطنيه. وفوق هذا كله؛ يتمتع بقدرة عالية على التصرف في الظروف العصيبة، وأكثرها ظلمة وضراوة؛ من حيث إدارة الأزمات بإنهائها بأقل الخسائر أو بأقصى المكاسب.
إذا كانت تلك الصفات، والخصائص، والسلوكيات تمنح الفرد مسمى القائد-الرمز، فما هو المسمى الذي يمكننا أن نطلقه على القائد عندما يواجه الموت ببسالة وشجاعة، ويقضي واقفاً لا يرف له جفن؟
لكي نحاول الإجابة على هذا السؤال/ التساؤل، ولكي نسعف أنفسنا في التوصل إلى إجابة صادقة-شافية لا تحتمل التأويل، ولكي نجعل للأجيال القادمة رموزاً؛ تنير دروب العزة والكرامة الوطنية، فإننا ونحن في أجواء الذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس صدام حسين رحمه الله، نكون أمام نموذج القائد، الذي أذهل جلاديه وجعلهم يدورون حول أنفسهم بلا هادٍ ولا دليلٍ.
ولكي نوثق للتاريخ؛ فلا بد من مراجعة تلك اللحظات المتعلقة بتصرفات الشهيد صدام وسلوكياته في مواجهة الموت ومفارقة الحياة، والتي تتلخص، وفق ما "اقتبسناه" (حرفياً) بالصوت والصورة من خلال مسلسل المحاكمات-المهزلة التي انتهت بإعدام قائد العراق، ورمز الأمة، فجر عيد الأمة، وما شهده هذا المسلسل من مواقف ومشاهد، تحمل في طياتها ما يستحق تسليط الضوء عليه، منها:
1) في اللحظة التي تتطلب من المتهم (العادي) مجاملة القاضي واستعطافه، وجدنا أن الشهيد صدام هاجم القاضي (رؤوف) ولم يأبه بتهديداته، وأخذ يردد: الخزي والعار عليك يا رؤوف, ثم ردد مقولته الشهيرة الله اكبر وليخسأ الخاسئون.. وقد وصل الارتباك بالقاضي (رؤوف) أنه اخذ يردد من خلف الشهيد صدام: الله اكبر.. الله اكبر"؛ دون أن يعي ما يقول.
2) عندما قال القاضي (رؤوف) للشهيد صدام: هذا صراع بينك وبين أمريكا، وقف الشهيد صدام وبشموخ القائد الذي يرتقي بشعبه, فقال: أنا لي الشرف أن آخذ دور شعبي، لكن الصراع بين شعبي وأمريكا.
3) لحظة تلاوة القرار بإعدامه, ردد الشهيد صدام مقولات حفرت في صخور الأمة وستبقى نبراساً لمن يقتدي بالقادة ويعتز بسيرهم، بقوله: يعيش الشعب.. تعيش الأمة.. يسقط العملاء.. يسقط الغزاة.. نحن أهلها.
4) أما عند تنفيذ الإعدام، وبحسب تصريحات وروايات الجلادين؛ من أمريكان وعراقيين، ووفق الصوت والصورة الذي بثه الجلادون أنفسهم، فإن الشهيد صدام سجل للتاريخ نموذجاً للبطولة والفداء، والشجاعة، والموت دفاعاً عن المبادئ، وفق شواهد وبيانات وبينات عديدة، منها:
• عندما تم إبلاغه بأنه سيتم إعدامه بعد ساعة، لم يرف له جفن، بل طلب تناول وجبة من الأرز مع لحم دجاج مسلوقٍ، ثم شرب عدة كؤوس من الماء الساخن مع العسل. وعندما طُلب منه التوجه للحمام؛ لتجنب أي حرج عند لحظة الإعدام، رفض الشهيد ذلك، ولكن توضأ ثم جلس على طرف سريره يقرأ القرآن.
• أدخل الشهيد صدام إلى "قاعة الإعدام" ووقف الشهود قبالة "غرفة الإعدام"، فتلي قرار الإعدام، وكان الشهيد صدام ينظر إلى حيث يقف على المنصة غير مكترث، بل كان مبتسماً، بينما كان جلادوه خائفين؛ بعضهم كان يرتعد والبعض الآخر كان خائفاً حتى من إظهار وجهه؛ مرتديين أقنعة كأقنعة العصابات.
• بحسب صحيفة القدس بتاريخ 27/12/2013م، يقول موفق الربيعي، الذي أشرف على عملية الإعدام: أخذته إلى غرفة القاضي حيث قرأ عليه لائحة الاتهام بينما هو كان يردد: الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، عاشت فلسطين، الموت للفرس المجوس"، وانتهى الأمر بأن ردد الشهادتينٍ؛ بصوته الجهوري ذي النبرة القوية التي تمتع بها طوال فترة حكمه وبنائه لعراقه العظيم، حامي البوابة الشرقية للأمة.
صحيحٌ أن تلك اللحظات شهدت استشهاد قائدٍ، وختمت على الغلاف الأخير من حياته الحافلة بالعمل والجد والاجتهاد، إلا أنها تكون، في نفس اللحظة قد شهدت ميلاد تاريخٍ ستبقى الأجيال تتصفحه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. كما تشير الوقائع والأحداث المتتالية إلى أن الاحتلال زائلٍ، وأن العراق باقٍ؛ بأرضه، وشعبه (مهما تجرع من المرار والظلم على يد المحتل)، ومجاهديه الأبطال، وتاريخه، وشهدائه الأبطال الذين سطروا أروع قصص البطولة والفداء، والذين لن تستطيع القوة المفرطة من محوهم من ذاكرة العراق والعراقيين.
من هنا؛ لا بد من التوقف عند المناسبات المتعلقة بشهدائنا القادة وقادتنا الشهداء، في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا التربوية والتعليمية وبيوتنا، بالقراءة وإعادة القراءة، والتحليل الهادئ-المتزن؛ البعيد عن العواطف والمشاعر الجياشة، بأن نستقي منها الدروس والعبر، لكي يبقى القادة رموزاً يُقتدى بهم، وتبقى سيرهم مصدر إلهام للأجيال التي يسعى الاستعمار، وعملاؤه، إلى تربيتها على الخنوع والذل والهوان والقبول بما يُطلق عليه "الأمر الواقع"؛ بما يعني القبول بالظلم والضيم وبما تفرضه إرادة القوة على قوة الإرادة.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية 27/12/2013م
عــزيـــــز العــصـــــــا/ نُشرَ في القدس، بتاريخ: 29/12/2013م، ص20
إرسال تعليق Blogger Facebook