0

بهجت أبو غربية.. يكبرني بأربعة عقود من الزمن بالتمام والكمال؛ لا يعرفني مطلقاً ولم نلتقِ لأكثر من دقائق في لقاء عابرٍ؛ غير مرتب له في عمان قبل حوالى ربع قرن من الزمن.. 
لكنني أرى فيه صديق الطفولة الذي لعبت معه "كرة الشرايط" و"السيجة" و"الحجلة" و"نط الحبل" "البنانير" و"طاق طاق طاقية"؛ فهو الذي حمل في جوارحه وجوانحه فلسطين التراث والبساطة والمحبة بين أبنائها..
 أرى فيه ملهم وطنيتي التي تشكل الوقود الذي يغذي كرهي الشديد للاحتلال وإفرازاته وزبانيته ومريديه والمطبعين معه؛ فهو عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لفترات طويلة.. 
أرى فيه مؤجج إيماني بوحدة الأمة وحفظ كرامة أبنائها واستثمار ثرواتها وطاقاتها لصالح مستقبل أجيالها؛ فقد قُدِّر لي الاطلاع بإمعانٍ على صحافة "حزب البعث" ونشراته السرية التي أودعها المدرس بهجت أبو غربية، البعثي في خمسينيات القرن الماضي، في الكلية الإبراهيمية بالقدس التي كان يديرها شقيقه المرحوم نهاد أبو غربية..
إنه القائد بهجت أبو غربية نحلة أنتجت رحيقاً مكوناته من الكل الفلسطيني فأجمع الجميع على تسميته "شيخ المناضلين الفلسطينيين".. كيف لا، وهو "خليلي" وُلِد في خان يونس، وترعرع في القدس ووري الثرى في عمان.. وهو مقاتلٌ فلسطيني عنيد في مواجهة الاحتلال البريطاني خلال الفترة 1936-1949.. وهو بعثي بمستوى متقدم، في الفترة 1949-1960، ضحى خلالها بحريته وراحته وتشرد بعيداً عن بيته وأسرته لحماية رفاقه، والتزاماً بتعليمات قيادته.. وهو واحد من مؤسسي جيش التحرير الفلسطيني.. وهو عضو قيادة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، هذا الفصيل الفلسطيني المكافح الذي انطلق من قلب القدس نحو تحرير فلسطين.. وهو من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية وعضو لجنتها التنفيذية بشكل متواصل حتى العام 1991 حيث استقال احتجاجاً على قبولها بقرار مجلس الأمن 242 والاعتراف بدولة العدو.. 
فكلما نقبت في شخصية بهجت أبو غربية أكثر، يكون حظك المزيد من عبق النقاء الوطني لإبن فلسطين البار الذي قاتل، بالبندقية والقلم والفكر، دفاعاً عنها في مواجهة كل الاحتلالات عبر عقود طويلة من الزمن.. 
وكلما قلبت صفحات القرن العشرين أكثر ستجد في بهجت أبو غربية صدق الانتماء القومي لأمة الضاد بما وقر في القلب وصدقه العمل إلى أن يلقى وجه ربه راضياً مرضياً بعون الله جل شأنه..     
بقي القول: هذا هو بهجت أبو غربية المعلم، المربي، المجاهد، المناضل، المكافح... الخ، الذي يجب أن نحدث الأجيال القادمة عندما رسم خارطة فلسطين على طريقته بكل تفاصيلها وشئونها وشجونها، ليضع هذه الخارطة في قلب وطن كبير يمتد بين المحيط والخليج ويزخر بالقادة الذين سطروا تاريخاً مشرفاً لوطنهم وأمتهم وللإنسانية جمعاء. 

فلسطين، بيت لحم، العبيدية 28/1/2011م
عزيز العصا/ نشر في القدس، بتاريخ 29/1/2012، ص19

إرسال تعليق Blogger

 
Top