0

لقد كان للكارثة التي ألمّت بمخيم جنين بشكل خاص، وبشعبنا الفلسطيني بشكل عام، جرّاء الهجوم الشامل الذي شنّه الاحتلال فجر يوم السبت (22/3/2014)، بالغ الأثر على نفس كل عاقلٍ بالغٍ من شعبنا. فقد استشهد ثلاثة شبان، هم: حمزة ابو الهيجا، محمود ابو زينة ويزن محمد جبارين. لكل منهم كيفية استشهاد تختلف عن الآخريْن، أما المشترك بينهم جميعاً، فإنهم (فرادى ومجتمعين) جزء من قلب فلسطين النابض، فهم قرة العين، وهم شعاع ضوء أطفأه البارود الاحتلالي الحاقد.
إن لهذا الهجوم دلالات سياسية، ورسائل كثيرة ومتعددة، أراد الاحتلال إيصالها لكل من يهمه الأمر، منها:
1) هناك إشارة واضحة إلى أن الاحتلال هو نقيض الوجود الفلسطيني الحر على أرض فلسطين التاريخية؛ فهو يرى في الفلسطينيين، جميعاً ومن كل الطيف السياسي والأيديولوجي، خصم بل عدو استراتيجي يجب القضاء عليه.
2) أما الإشارة الأخرى فهي تتعلق بالماراثون "التفاوضي" الذي لم يعد ذا قيمة، ولا ذا جدوى بالنسبة للفلسطينيين. أما الاحتلال؛ فلم يعد يكترث بتلك المفاوضات التي لن تلزمه بشئ لأنه، وفي ظل ضعف العمق الاستراتيجي للفلسطينيين وتشرذمه وانتشار الحروب الأهلية في جزئياته، وفي ظل اصطفاف الغرب والشرق مع "إسرائيل" قلباً وقالباً، لم تعد "بدائل فشل المفاوضات" تشكل أي قلق للاحتلال، ولم يعد يحسب لذلك حساباً. 
3) النتيجة النهائية؛ أن الاحتلال يسعى إلى إعادة خلط الأوراق، للخروج إلى العالم معلناً أنه لم يعد في فلسطين من يمكن أن يكون شريكاً في عملية "السلام!!". والمقصود بذلك؛ الرئيس "أبو مازن" الذي عُرِف عنه ميله لإعطاء الفرص المتتابعة للمفاوضات، لدرجة أنه يعالج فشل المفاوضات بالمفاوضات. هذا التوجه الذي استغله الاحتلال بتوسيع الاستيطان، وتعميقه، و"تجذيره" أكثر فأكثر؛ بـ "استباحة" المزيد من الأرض والثروات. كما استغله في "الإيغال" في أسرانا، الأصحاء والمرضى، بحرمانهم من الحد الأدنى من حقوقهم كأسرى حرية وتحرر.     
لكي لا نتحدث وفي فمنا ماء؛ فلنمعن النظر في طرائق تفكير الاحتلال، ونظرته للأمور. ففي إطار تعليقاته على الحادثة الموصوفة أعلاه نشر موقع واللا العبري (ترجمة PNN) (http://pnn.ps/index.php/israel/84859) "تحليلاً أمنياً"، بعنوان: جيل من الشهداء قادم بسبب حالة اليأس والفوضى في مخيمات اللاجئين. وقد خلص هذا التحليل إلى أن هناك جيلاً جديداً من الشهداء، من مختلف الفصائل،  بسبب حالة اليأس من الواقع السياسي والاقتصادي في الأراضي الفلسطينية بشكل عام ومخيمات اللاجئين بشكل خاص.
وكواحدٍ من أشكال خلط الأوراق؛ ركّز هذا التقرير على نثر "بذور" الفتنة على المستوى الوطن، عندما "كرر" في أكثر من موقع بأن الشعب الفلسطيني يساوي بين السلطة و"إسرائيل" في المعاداة والاستهداف، وأن هناك "انتفاضة ثالثة" قادمة لا محالة في وجه "السلطة وإسرائيل معاً". علماً بأن التقرير يؤكد على أن آلاف الأطفال في المخيمات الفلسطينية الذين يشاهدون جيش الاحتلال يقتل أقاربهم ويعتقل أحباءهم؛ قد تربوا على كره "إسرائيل وجيشها".
يذكرنا هذا التقرير (الملئ) بالألغام السياسية بالتحليلات والدراسات والتنبؤات الاسرائيلية التي رافقت الانتفاضة الأولى في القرن الماضي، عندما حاول أولئك المحللين تصوير دوافع الانتفاضة على أنها "اقتصادية" بحتة دون النظر إلى أن الشعب الفلسطيني يطالب بحقوقه المشروعة على أرض الآباء والأجداد.
الآن؛ ولكي لا نقع في "شَرَك" التحليلات والألاعيب الإعلامية الاحتلالية، فلنتوقف عند حالنا وأحوالنا على المستوى الوطني، بمستوى عالٍ من المسؤولية اتجاه الأجيال القادمة. إذ أن بذور الفتنة التي نثرها التقرير المذكور تجد حاضنتها، ومصادر نموها، في الاختلاف على الثوابت الوطنية التي قدم شعبنا من أجلها عشرات الآلاف من الشهداء، ومئات الآلاف من الأسرى، وفي الانقسام الذي قسَّم النفوس وقسَّم الشعب، بل فتته؛ رأسياً وأفقياً.
ولنتذكر أننا في حال صراع وجود، وصراع هوية مع الاحتلال، بأشكاله ومسمياته المختلفة، منذ الانتداب البريطاني قبل نحو قرنٍ من الزمن. وعلى طول تلك الحقبة الممتدة كانت  المقاومة، بأشكالها المختلفة، الركيزة الأساسية لتوحيد الكلمة ورص الصفوف. وأن التاريخ لم يسجل أن الاحتلال قدم لنا تنازلات بمحض إرادته و"حسن خلقه!!" بل أنه بالوحدة الوطنية، ورص الصفوف، والتمسك بالثوابت؛ تُنتَزَع الحقوق ويُحفظ لإنساننا هيبته وكرامته.. هذه هي رسالة الشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية أرض الوطن، جيلاً بعد جيل، ورسالة الشهداء مع وقف التنفيذ، إلى أن يعود الحق إلى أهله.  

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 23 آذار، 2014 
عزيز العصا/ نُشِرَ في القدس المقدسية، بتاريخ: 24 آذار، 2014م، ص19

إرسال تعليق Blogger

 
Top