لقد كان لخبر التوقيع على مذكرة التفاهم التي نُظِّمت في مقر البنك الدولي في واشنطن؛ بشأن شق قناة سوف تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وقع الصاعقة على كل من يراقب الشأن الفلسطيني؛ المشتت بين توسيع الاستيطان، و(فشل) المفاوضات؛ التي تمخضت عن (ولادة) وجود عسكري احتلالي في غور الأردن. كما أنه جاء في ظروف تسعى أمريكا والغرب، وجميع المؤسسات المرتبطة بهما، إلى خطب ود "إسرائيل"؛ لكي تقبل باتفاقهم مع إيران.
إن فكرة شقّ القناة بين البحرين: المتوسط والميت فكرة بريطانية قديمة؛ منذ (160) عاماً، التقطها هيرتزل فاعتبرها حلم لا بد من تحقيقه. وفي العام 1950 أجرى الأمريكان دراسة عليها، فوجدوا انها قد تنتج حوالي (100) ميجا واط من الطاقة الكهربائية. أما حديثاً؛ فمنذ العام (1994) بدئ بالحديث عن ربط البحرين: الأحمر والميت، وفي العام 2005 وقعت، الأطراف نفسها، اتفاقاً يقضي بشقها بطول (180) كيلو متراً، وفي مطلع العام الحالي (2013) أعلن البنك الدولي أن ربطها أمر ممكن ومجدي.
الآن؛ وبالاطلاع على الخطوط العريضة للمشروع، سواء كان بين المتوسط والميت أو بين الأحمر والميت؛ فإن الثابت في الأمر شيئان رئيسيان، هما:
أما الأول؛ فهو أن مكتسبات المشروع؛ كتحلية مياه البحر وتوليد الطاقة الكهربائية ستكون باستباحة الأراضي الفلسطينية، وتمزيقها لصالح المشروع الذي يشكل خطراً على الأمن القومي العربي؛ من النواحي: البيئية، والاقتصادية، والعسكرية، والاستراتيجية.
وأما الثاني؛ فهو أن المستفيد الأول والوحيد من هذا المشروع هو إسرائيل. علماً بأن الأردن لن تتعدى استفادته الحصول على جزء من حقه الطبيعي من المياه.
ولتوضيح الأمر؛ فقد قمت بمراجعة أرشيف صحيفة القدس المقدسية بشأن الموقف الفلسطيني-الرسمي من شق هذه القناة؛ فوجدت فيه أوصافاً واضحة للآلام "المبرحة" التي سيصاب بها المشروع الوطني الفلسطيني جراء تنفيذ هذا المشروع، منها:
1. في مؤتمر جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا في العام (2002) عارض ممثل فلسطين هذا المشروع.
2. في صيف العام 2009 هددت الحكومة الفلسطينية بالتوجه إلى (البنك الدولي) ومطالبته بوقفها.
3. في شباط من العام 2012؛ أكد رئيس سلطة المياه شداد العتيلي عدم الموافقة على هذا المشروع الذي أجرى البنك الدولي دراسات الجدوى له.
4. في يوليو/ تموز من العام 2012 أعلن رئيس سلطة المياه شداد العتيلي ان هناك قضايا عالقة؛ لم يتم التوصل إلى توافق بين الأطراف، وتحديدا حول الوضعية القانونية للبحر الميت وحول المشروع التجريبي ومن تسبب بانحسار البحر الميت"، ووضعية البحر الميت وفق القانون الدولي وحقوق الأطراف المتشاطئة (اسرائيل ليست واحدة منها)، وتقاسم أي منفعة من المشروع بين الأطراف بالإنصاف.
ومما لا بد من ذكره؛ أن "إسرائيل" هي المسبب لجفاف البحر الميت؛ عندما قامت بتحويل مياه حوض نهر الأردن، الذي هو المصدر الرئيسي لمياهه، إلى أراضي الـ48 بما فيها النقب، وكذلك إقامتها منشآت صناعية تقتضي تبخير 262 مليون متراً مكعباً سنوياً؛ لاستخلاص الأملاح المختلفة لأغراض صناعية وزراعية.
ولعل ما يعزز الرفض المبين أعلاه ما يراه الباحثون والمختصون، بخاصة ما قدمه خبراؤنا في منتدى "تنوير" المنشور في صحيفة القدس بتاريخ (28/7/2013م)، بأن الفلسطينيين، ليس لهم من الأمر إلا الفتات، المتمثل بـ "بيعنا 20-30 مليون متر مكعب من حصتنا الطبيعية من المياه"، الأمر الذي لا يمكن مقارنته مع الكوارث المتعددة الأبعاد التي يخلفها المشروع علينا، من النواحي: الجيوسياسية، والبيئية والاقتصادية، منها:
أولاً: على المستوى الجيوسياسي:
1) رفض إسرائيل، التام، لأن يكون للفلسطينيين أي وجود مؤثر في المشروع على الأرض؛ فقد رفضت أن يكون لهم موطئ قدم في شمال البحر الميت.
2) سيعمل المشروع على خلق حدود جديدة بين الأردن وإسرائيل على حساب الفلسطينيين.
3) حدود الضفة الغربية في البحر الميت تبلغ 42كم، وهي الآن تحت سيطرة الاحتلال، وسيخلق المشروع واقعاً جديداً من شأنه التأثير عليها؛ بحيث يبقيها تحت السيطرة الإسرائيلية.
4) في ظل السياسات الاحتلالية الحالية، وبناءً على خطة كيري الأخيرة؛ سيتم ضم مساحات شاسعة من الأغوار والسيطرة عليها والبقاء فيها إلى الأبد.
5) سيشكل المشروع ضربة قاضية لمطالبة الفلسطيني بحقوقه من المياه السطحية (مياه نهر الأردن) والجوفية المغتصبة من الاحتلال.
6) سيكرس المشروع التبعية الفلسطينية لدولة الاحتلال؛ التي تتحكم، بحكم الاتفاقيات وبحكم منطق القوة، في كل شاردة وواردة ذات صلة بالمشروع كأسعار المياه التي ستزود للفلسطينيين وطرق وشروط التزود بها.
ثانياً: على المستوى البيئي:
1) تدفق مياه البحر الأحمر، بشكل كبير، سيُحدث تغييراً جذرياً في النظام البيئي الهش للبحر الميت كتشكيل بلورات من الجبس أو إدخال الطحالب الحمراء.
2) تلويث المياه الجوفية بسبب المياه المالحة من نظام القنوات الناقل.
3) تدفق مياه البحر الأحمر عبر خليج العقبة ومن ثم إلى البحر الميت، سيؤثر سلباً على الأحياء المائية والشعب المرجانية في الخليج.
4) سيؤدي تنفيذ هذا المشروع إلى تنشيط الحركة الزلزالية في المنطقة، وهجرة الحيوانات والطيور.
5) بعكس ما يروج أصحاب المشروع؛ فإن له آثارا سلبية اجتماعية وغيرها، كالبطالة والتأثير السلبي على المنشآت الاقتصادية الموجودة في المنطقة.
من جانبٍ آخر؛ يقتضي المنطق العلمي ضرورة عرض وجهة النظر الأخرى. فالمروجون للمشروع ومن يتبنونه، من عرب و/أو عجم، (يغمضون) عيونهم عن الآثار والانعكاسات المذكورة ويرون الأمر من وجهة نظر اقتصادية بحتة، فيذكرون أن لهذا المشروع نتائج اقتصادية، منها: إنتاج طاقة كهربائية بمعدل حوالي 600 ميغا واط/ السنة، بناء محطات تحلية، تنفيذ مشاريع ناقلة للمياه العذبة الناتجة عن عمليات التحلية واستحداث مشاريع اقتصادية وسياحية عملاقة في المنطقة، وخلق فرص عمل دائمة.
عندما هبت المنظمات المعنية بالبيئة في إسرائيل إلى معارضة المشروع. كانت النتيجة أنه سيتم إقامة "كامل خط الأنابيب الخاصة بالمرحلة الأولى من المشروع في الأردن". أما نحن، عموم الشعب الفلسطيني؛ ومن منطلق حقنا الطبيعي في أن ندلي بدلونا في القضايا الكبرى كهذا المشروع وغيره، ولأن الوزير العتيلي قد وعدنا، بحسب صحيفة القدس في 3/7/2012، بأنه "سيطلع الجمهور على نتائج الدراسات ومن ثم يتم اتخاذ القرار بالمضي قدما بالمشروع من عدمه" فإننا، وللأسباب المذكورة أعلاه وغيرها، نرى هذا المشروع مصلحة إسرائيلية بحتة.
ومما يزيد مخاوفنا، ويجعلنا نفقد البوصلة، التناقض بين ما يقوله الوزير العتيلي من أن المذكرة، قيد النقاش، ليست جزءاً من مشروع قناة البحرين، وما قاله ممثل إسرائيل: "هذا اتفاق تاريخي يحقق رؤية هرتسل بشأن شق قناة البحرين". أي أنه في توقيع المذكرة تلبية لرغبة "إسرائيل" و"إشباع" لنهما، الذي لا حدود له، لتحقيق مخططاتها الاحتلالية، والاقتصادية، والعقائدية، والثقافية التي تستبيح ممتلكاتنا الطبيعية وثرواتنا؛ الواقعة ما بين السماء وأعماق الأرض.
قبل أن نغادر؛ لا بد من التأكيد على أن الأردن الذي نرى فيه الأخ والشقيق والسند القوي كلما ادلهم الخطب وكلما اشتدت الظلمة، الحق في الحصول على حصته من المياه على مستوى الإقليم دون منة من "إسرائيل" أو من غيرها. ونقول للمروجين لهذا المشروع: ألا ترون أن في هناك عملية (تجميل) تخفي تحتها آلاما وطنية عميقة سنورثها للأجيال القادمة، التي ستصبح في مواجهة حقيقية مع "مرارة" الموقف؛ عندما تكتشف أن هذا المشروع لن يطفئ ظمأها ولن يعيد الحياة لبحرها!
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 14/12/2013م
عزيز العصا/ نُشِر في صحيفة القدس بتاريخ 18/12/2013م صفحة 19
كلو تبن وذا الخريطه الي حطينها فيذا
ردحذف