0

لماذا يخاف الفلسطينيون من الدولة اليهودية؟ هذا هو السؤال، الصريح والمباشر، الذي طرحته شيمريت مئير؛ المحررة المسؤولة في الموقع الإخباري  “المصدر”، بتاريخ 6/1/2014م. لم تجب الكاتبة عن السؤال، بما يفند آراء الفلسطينيين حول هذا الموضوع، سوى أنها نقلت وجهات نظر وأقوال وتصريحات لمسئولين فلسطينيين يرفضون الموافقة على فكرة يهودية الدولة؛ باعتبارها شأن "إسرائيلي" داخلي، ولمسئولين "اسرائيليين" يعيبون على أبي مازن رفضه أن يعيش "اسرائيليون" في الدولة الفلسطينية المقبلة. 
وانتهت مئير باستخلاصها التالي: "يشتبه الفلسطينيون بأن يكون قصد نتنياهو هو أن يضع طلبات لا يوجد لعباس أي إمكانية للامتثال لها، وبذلك يحبط أي محاولة للتوصل إلى اتفاق".
لقد هالني أن الكاتبة المذكورة طرحت سؤالاً استراتيجياً وهاماً لكي تتركه هكذا؛ بلا إجابة "استراتيجية". ولعل مصدر العتاب على الكاتبة يأتي كونها رئيسة تحرير موقع معني بـ "المساهمة في خلق حوار متوازن حول إسرائيل والمسائل الإقليمية في الشرق الأوسط".
ولأنني لم أجد الإجابة الشافية على هذا السؤال في مقال الكاتبة مئير؛ كان لا بد أن نجيب عليه نحن؛ لكي تعلم الكاتبة وموقعها لماذا يرفض الفلسطينيون "الدولة اليهودية"؟
يقول إيلان بابه في كتابه التطهير العرقي في فلسطين (ص: 19-20): لم تكن فلسطين، في نظر صهيونيين كثيرين حتى أرضاً محتلة، وإنما أرضاً خالية من البشر، واعتبار سكانها الأصليين كائنات غير مرئية، أو جزءاً من عقبات الطبيعة التي يجب التغلب عليه أو إزالتها. 
على هذه القاعدة كانت حرب فلسطين التي استمرت حوالى عشرين شهراً بين عامي 1947 و1949؛ تلك الحرب الطاحنة التي استخدمت فيها القوة المفرطة بغطاءٍ، كامل وشاملٍ، من بريطانيا الدولة الـ "مُنتّدَبة!!" بهدف "محو" فلسطين و"إنشاء" "إسرائيل"؛ انتهت بطرد 85% من سكان الجغرافيا التي احتلتها ميليشيات الصهيونيين، وقتل آلاف منهم، وملاحقة من بقي في تلك الجغرافيا التي مزّقت وتم محو عروبتها؛ بأن تم "عبرنة" غالبيتها العظمى بسرعة قياسية. 
ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن هذه الدولة في العام 1948 وعملية التهويد قائمة؛ يتم العمل بها، من خلال رموز دولة" إسرائيل"، كالعلم، النشيد الوطني، المراسم والطقوس، وجميع الشارات تشدّد على يهودية الدولة. كذلك عطلات الأعياد والعطل الأسبوعية، فجميعها تتمحور حول التقويم اليهودي. وتُستعمل اللغة العبرية في جميع الأطر البيروقراطية والقانونية تقريبًا. (انظر: أورن يفتاحئيل. المواطنة العربية الفلسطينية في إسرائيل. مجلة مدى الكرمل، المجلد الثاني، 2011). 
وتشير المعلومات التاريخية أن إعلان "يهودية" الدولة قد تعرض إلى المد والجزر، عبر التاريخ، وقد حسم الأمر مبكراً؛ عندما حضر ثلاثة من زعماء المنظمات اليهودية – الأميركية إلى فلسطين في شهر آيار العام 1948، والتقوا مع بن غوريون، وقالوا له إن "إسرائيل ليست مخولة بالإعلان عن نفسها أنها دولة يهود العالم وتدعوهم للهجرة، كما اعتبر الملياردير اليهودي الأمريكي/ يعقوب بلاوشطاين بأن "يهود أميركا يرفضون أي تلميح إليهم بأنهم يعيشون في الشتات" (مدار، 21/11/2013) . 
أما الاعتراف بيهودية الدولة من قبل الفلسطينيين، الذي يطالبنا به نتانياهو منذ العام 2009؛ باعتباره شرطاً أساسياً لنهاية الصراع، فيكمن خلفه كارثة وطنية (تضاف) إلى الكوارث التي حلت بنا من القرن التاسع عشر. وقد قام المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، وفق تقريره الصادر بتاريخ 21/11/2013م، بتفنيد هذا الشعار من خلال المآخذ التالية:
أولاً: بحسب وزيرة الخارجية السابقة ليفني التي طرحت "حل الدولتين للشعبين" وليس "حل الدولتين"، بحيث تكون "إسرائيل" الدولة القومية للشعب اليهودي، وفلسطين الدولة القومية للشعب الفلسطيني". وأضافت أن فلسطين هي أيضا الدولة القومية لعرب-48.  وفي ذلك إعادة تهجير لفلسطينيي-1948.
ثانياً: بحسب الدراسة التي وضعها د. طال بيكر/ عضو الوفد الإسرائيلي إلى عملية أنابوليس في العام 2012، بعنوان "مطلب الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية – إعادة تقييم"، أن الاعتراف الفلسطيني بـ "الدولة اليهودية"، يلحق بالفلسطينيين، في جميع مواقع تواجدهم، أضراراً بالغة ومتعددة الأوجه، منها:
1. نسف الرواية التاريخية الفلسطينية للصراع. 
2. استباق المفاوضات حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، بما يُلزم برفض أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين التي من شأنها أن تهدد الصبغة اليهودية لإسرائيل! 
3. يأتي هذا الطلب بـ "الاعتراف الصريح من قبل الفلسطينيين بحق تقرير المصير لليهود"، في الوقت الذي لا تعترف إسرائيل بحق تقرير المصير للفلسطينيين الذين شُرِّدوا من ديارهم بغير وجه حق.
ثالثاً: هناك مشاريع قوانين اسرائيلية تتمحور حول "يهودية الدولة" تلغي صبغة "الديموقراطية!" التي تدعيها اسرائيل، والتي سيكون لها، في حال إقرارها وتطبيقها، نتائج كارثية على الفلسطينيين في حدود تلك الدولة، تتلخص فيما يلي:
رفض الاعتراف بأن هذه البلاد هي وطن الفلسطينيين.
رفض أن تكون اللغة العربية لغة رسمية. علماً بأن اللغة العربية هي جزء عضوي من هويتهم الثقافية والوطنية. 
لن تكون "اسرائيل" دولة لجميع مواطنيها؛ فترى المنظمات الحقوقية أن هناك تمييزاً ضد الأقلية العربية في إسرائيل، وفي حال سن تلك القوانين فإنه سيغلق الباب أمام مطلب تحقيق المساواة.
مصطلح الدولة اليهودية لا يتعامل مع اليهودية كدين، وإنما مع الدولة القومية والثقافة اليهودية، وتشكل موطنا لليهود في العالم كله. مما يعني التوجه نحو تجميع أعداد أخرى من اليهود من كافة بقاع الأرض على حساب الحقوق المشروعة لأصحاب الأرض الشرعيين. 
هكذا؛ يكون الهدف الأبرز لمطلب الاعتراف بـ "دولة قومية للشعب اليهودي" هو  إلغاء حق العودة وإقصاء فلسطينيي-48  عن الحيّز السياسي. كما أن القلقيلي  وأبو غوش، في كتابهما (الهوية الوطنية الفلسطينية: خصوصية التشكل والإطار الناظم) أن أثر الاعتراف بيهودية الدولة على الفلسطينيين في حدودها سوف: 
1- يجردهم من الكثير من الحقوق المدنية في دولة احتلال قامت على وطنهم.
2- يتركهم منعزلين؛ بلا سند حقيقي.
3- يعمق الانفصال جغرافياً وسياسياً ونضالياً، وإذا استمر قد يخلق شرخاً جغرافياً وبشرياً مع جزء مهم من الشعب الفلسطيني وفي هويته الوطنية.
قبل أن نغادر أردت التوجه إلى الكاتبة مئير بما ورد على موقع الوديان الالكتروني بقلم: اسحق ليئور، حيث يقول: المؤسسة "الإسرائيلية" تتحدث بلغة استعلائية صلفة عن الفلسطينيين ولا ترى لهم أي حق في الوجود وتقرير المصير وبناء دولة . 
إذا كانت هذه "الاستعلائية" وهذا "الصلف" من قبل إسرائيل-الديمقراطية فكيف سيكون الأمر عندما تعلن عن يهوديتها باعتراف فلسطيني، يتبعه اعتراف عربي وقد يتبعه اعتراف اسلامي؟! ولعل الإجابة السريعة على هذا السؤال هي أن الفلسطينيين، أينما حلوا وارتحلوا، سوف يفقدون روايتهم التي تعبر عن مأساتهم ورحلة تشردهم، وسيصبحون بلا مصير يتقرر، وبلا حقوق عودة، أما الفلسطينيون في حدود تلك الدولة "اليهودية" فسيجدون أنفسهم وقد شطبوا من التاريخ ومن الجغرافيا؛ إذ سيفقدون الاعتراف بهم كمواطنين ينتمون إلى مجموعة قومية منفصلة. 
لذلك؛ نطالب القيادة السياسية الفلسطينية عدم الرضوخ لهذا المطلب؛ أياً كان مستوى التهديدات وحجمها.

فلسطين، بيت لحم، العبيدية         07/01/2014م
عــزيـــــز العــصـــــــا/ نُشِرَ في القدس، بتاريخ: 10/1/2014م، ص17

إرسال تعليق Blogger

 
Top